Category: الرئيسية


يبدو أنه من التعب كثرة العتب، أو التشكك في قدراتك المعرفية أو التحليلية في فهم الظواهر ولم لا الماورائيات. ولعل السابق لزمانه يرى بعين لا يراها الكثير ممن حوله، لأنهم ببساطة في زمن غير الذي كان فيه أو بالأحرى الذي يعيش فيه، فكيف إذن تتفاعل الممكنات المسجلة في اللاوعي مع وعي اللحظة ومحيطها. وبعبارة أدق كيف لسابق زمانه أن يرى ما يحدث من أحداث وما ينسج من خيوط وهي في زمانه. ألا يفترض فيه أن يعيش الزمنين وللمفارقة في نفسه حتى يتسنى له إسقاط الأولى على الأخرى أو وضوح الرؤية لفرز ما من زمانه الحالي مما في زمانه اللاحق ….

دعك من كل هذا صديقي. إن اللحظة الحضارية التي نعيشها اليوم اجتازت كل المسلمات التي كانت من الماضي، وانمحت لأجل ذلك كل المقولات التي جعلت من الإنسان محور الكون وركنه الأساس. . لقد تصدت التكنولوجيا الحاملة لرفاه الإنسان للإنسان فأضحى بلا ضمير، وبلا بوصلة … فالقيمة السوقية هي الأهم حتى من الذكاء بات سطحيا بعد أن استولى الغباء وصار بضاعة اصطناعية يلتجأ إلى خدماته كل مستهلك.

حتى أكثر المتشائمين بيننا لم يكن ليتصور انحباس الحوار البشري-البشري إلى لغة الآلة المتحكمة في كل شيء اليوم. ألا ترى كم من عاقل وغير عاقل يحمل بين كفيه هاتفة الذكي ويساجله بما له من أغراض أو ترفيه طوال الوقت في عزلة تامة عن الحوار مع باقي جنسه من البشر. ألا ترى جيلا عاجزا على ربط علاقات التساكن مع الآخر بعد أن عبثت الآلة بنضجه الفكري والنفسي والاجتماعي للأسف.

والأدهى من هذا وذاك أن البشرية مقبلة أكثر على الافتتان بالعالم الافتراضي حتى التماهي معه، ألا ترى أخي القارئ أن الافتراضي اليوم هو جزء من اليومي وطقس من طقوسه؟ ألا يشكل هذا العالم البنى الذهنية والفكرية لمن دخله؟ ألا تتشكل فيه ومنه أنماط أخرى من بني البشر؟ السنا نتحذث اليوم عن الإدمان الإلكتروني وعن اللعبة القاتلة وعن شباب التيك توك والسنابشات ؟

وفي الضفة الأخرى، لا تزال المؤسسات الأكاديمية والتربوية في برجها العاجي وفي تقليدانيتها المقيتة، لا تتفاعل مع ما يحدث في هذا الإطار السالف ذكره؟ هل هو العجز في سبر أغوار هذا العالم الرهيب المخيف؟ أم ضعف الإمكانيات البحثية والسوقية لهكذا عمل ؟

ستبدي لك الأيام ما كنت غافلا ………….والأيام بيننا ….

حرر بالرباط في 16 أكتوبر 2023.

Ça fait longtemps que je parle avec soi sur un projet de communication, sans blocage sans barrière culturelle ni de s’autocensure.

Je me retrouve parfois à la recherche de mots, d’idées qui ne cessent de se construire dans l’abstrait, dans son monde propre, autour de motifs de l’être et d’existence, l’écriture est un essai de recherche d’éléments de paix entre les lettres et les phrases. c’est une combinaison entre le souhait et l’envie, entre la passivité et le désir de vers les horizons lointains… .. Sans perdre de fil, sans tomber dans l’absurde

l’homme est le fruit de son style, évidemment, sans s’attarder dans les types d’hommes et les différents styles qui l’entourent; il faut admettre que les styles et les hommes ne sont pas forcés dans les mêmes canaux de concertation et d’entente, que les styles se cachent parfois derrière les apparences, se métamorphoses selon les contextes, et que les hommes sont de leur environnement, sont des résultats des guerres organiques et psychiques. Ils sont les mélanges entre le sang et la poussière.

Quand c’est ce que les lettres s’unissent pour l’ancien leur destin? Attendez-vous à ce que les réunions soient marathoniennes?

Quant à ce que les mots apparaissent ils? faut-il attendre le destin des lettres qu’il coïncide avec leurs? Il suffit d’un arrangement simple entre les parties pour régler l’affaire.

Qu’est-ce que les paragraphes se rapprochent ils? Faut-il trouver le fil entre les mots, ainsi entre les lettres pour arriver au bord du fleuve. allies with all like as all, all with all with style. avec ou sans faute ……… que ce soit l’essentiel de trouver l’homme avec un »majuscule, qui avait un cœur capable de réciter les mots, capable de dicter les mots, et capable d’imaginer les lettres, à l’improviste et au temps et aux lieux qui ont fonctionné, On n’aura rien à craindre, de perdre le fil, de devenir les prisonniers qui ont été construits; sans gout et sans sens.

                                                                                                          RABAT le 10 mai 2019

 

التاريخ الجهوي والعلوم المساعدة

إشكالية العلاقة وآفاق البحث

التصميم: 

مقدمة :

المحور الأول: في الحاجة الى تاريخ جهوي

المبحث الأول: البناء المفاهيمي:

–         التاريخ الماكروسكوبي أو العام

–         التاريخ الميكروسكوبي أو الخاص

المبحث الثاني: تطور علم التاريخ:

المحور الثاني: في الحاجة الى العلوم المساعدة:

         المبحث الأول: من الصراع النظري إلى مفهوم التناهج

المبحث الثاني: التاريخ الجهوي والعلوم المساعدة – العلاقة والهوية.

المحور الثالث: التاريخ الجهوي (نماذج تطبيقية)

         كتاب إنولتان ” المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر ” لأحمد التوفيق و كتاب البوادي المغربية قبل الاستعمارقبائل إيناون لعبد الرحمان المودن

–         المبحث الأول: تجليات انفتاح الباحث على بعض العلوم المساعدة.

–         المبحث الثاني: بعض تجليات الدراسة المونغرافية ونتائجها

خاتمة:

وتحوم حول:

–          أهم إشكالات انفتاح التاريخ على باقي العلوم( النتائج- طبيعة الوثائق..)

–         ماذا بعد التاريخ الجهوي؟

مقدمة :

تشكل عملية مقاربة التاريخ الجهوي والعلوم المساعدة موضوعة منهجية مهمة و مادة بحثية خصبة، تمكن دون شك المهتمين والباحثين في التاريخ بصفة عامة وفي الدراسات المونغرافية على وجه التخصيص اكتساب مهارات اختيار مواضيع البحث وأدواته واستيعاب رهاناته وآفاقه المعرفية,

فإذا كان البحث في التاريخ العام يتطلب المزيد من التجريد وأحيانا ينجز بتعميمات  ملتبسة، مما يفضي إلى لاواقعية في النتائج وغموض في المقدمات، فإن ما يحمل الباحث على المزيد من الغوص فيما أسميناه في هذه الورقة بالتاريخ الميكروسكوبي هو عامل الإثارة والواقعية التي يتيحها التاريخي الجهوي للباحث وهو يتلمس الأمكنة ويعاينها ويقارن ويدقق ما لديه من وثائق وما يسجله من أحداث,

ولعل العامل الذي يساعد المهتم ليحصل على نشوة البحث ويتلذذ في السعي في طلب مآلاته وانتظار مفاجآته, هو ما يفرضه البحث المونغرافي من صرامة منهجية في تدقيق المجال قيد الدراسة وحصر المبحثة في الزمان المحدد سلفا، وهو تدقيق يحصر الباحث ويوجهه ويبعده من مراكمة الحشو الذي لا طائل من ورائه ,

وعلى هذا الأساس يعتبر حسن اختيار مكان البحث وتدقيق زمانه حلقة جوهرية في إغنائه بالإضافة إلى ضرورة توفر الباحث المؤرخ على ثقافة موسوعية وحسن الاطلاع على باقي الحقول المعرفية المساعدة لتستثمر في البحث وتغني نتائجه,

فما حاجة علم التاريخ إذن إلى كل من العلوم المساعدة والتاريخ الجهوي ؟ وما القيمة الإضافية لكليهما في مجال البحث التاريخي ؟ وما العلاقة الناشئة بينهما؟ وهل من نماذج تطبيقية تساعد في توضيح هذه العلاقة ؟

سنسعى من خلال هذه الوريقة إلى تدارس التاريخ الجهوي والعلوم المساعدة : إشكالية العلاقة وآفاق البحث[1] من خلال ثلاتة محاور هي على الشكل التالي : 

Ø    المحور الأول: في الحاجة الى تاريخ جهوي

Ø    المحور الثاني: في الحاجة الى العلوم المساعدة:

Ø    المحور الثالث: التاريخ الجهوي (نماذج تطبيقية)

المحور الأول: في الحاجة الى تاريخ جهوي

شهد حقل الدراسات في علم التاريخ تطورات نوعية وكمية، ساهمت بشكل كبير في إثراء المناهج المعتمدة في الكتابة التاريخية، وفي تنويع طريقة تناول الموضوعات المدروسة ومقاربتها

وقد شكل انفتاح الدراسات التاريخية على مناهج ونتائج وأدوات التخصصات المعرفية الأخرى وسيلة لتطوير إمكانات البحث التاريخي ومقدرته على الغوص في أعماق المعرفة الإنسانية قديمها ومآلات مستقبلها

ونتيجة للتطورات المعرفية الهائلة التي عرفتها العلوم الإنسانية بكافة تخصصاتها ، وما قدمته من نتائج مبهرة ومن حلول ونقاشات فكرية جيدة كانت مستعصية في السابق,

وبالنظر لضرورات تجاوز النظرة التقليدية لعلم التاريخ ولحتمية التطورات التي عرفها هذا الحقل المعرفي نفسه من مناولة جديدة لمختلف قضايا الإنسان التاريخية وهي رؤية تتجه إلى تتجاوز تلك النظرة التقليدية لعلم التاريخ ك “علم للماضي ” لفتح آفاق جديدة تساهم في فهم حاضر المجتمعات الإنسانية موضوع البحث واستشراف مستقبلها.

ظهرت بوادر جديدة ومدارس متميزة في التعاطي مع البحت التاريخي ، ولعل أشدها إثارة للانتباه “مدرسة الحوليات”. بأدبياتها الفكرية والفلسفية .هذا التوجه الجديد هو من منح التاريخ الإجتماعي مكانته وجعل من “الدراسات المونغرافية ” نقطة انطلاق البحث وحجر الزاوية تمكن من النبش في النقاط الخفية والمساحات الهامشية في تاريخ الشعوب والمجتمعات.

وتتعدد الأسباب التي قوت هذا النوع من الكتابة وغذت مساراته فمن جهة شكلت النتائج التي توصل إليه الرواد منطلقات للبحث عن استفسارات لأسئلة جديدة من قبل الجيل الثاني والثالث ففي المغرب على سبيل المثال، لا يخفى ما لدراسة المؤرخ أحمد التوفيق عن “إنولتان في القرن التاسع عشر ” من تأثير على مسار الدراسات التاريخية لما بعده.  إلا أنه على سبيل المثال لا الحصر يمكن أن نذكر الدواعي والأسباب التالية:

ü    الرغبة في تحديث الذاكرة الجماعية وتجديد البحث التاريخي وإعادة كتابة التراث وتدوينه من خلال اعتماد مجموعة آليات جديدة

ü    التوسع الذي عرفه مفهوم التاريخ والتطورات التي لحقته

ü    الرغبة في تجاوز تأثيرات الدراسات الكولنيالية ورسم صورة وطنية كاملة عن التاريخ الوطني انطلاقا من التاريخ الجهوي,

المبحث الأول: البناء المفاهيمي:

تطرح المفاهيم في العلوم الإنسانية دوما إشكالات التدقيق والتحديد ، ويصعب دوما تحديد بعض المفاهيم إذا تعددت رؤى المدارس والإيديولوجيات التي تتناولها وسنعرض إلى مقاربة مفهومي التاريخ الماكروسكوبي أو العام والتاريخ الميكروسكوبي أو الخاص من خلال التقابل بينهما وإبراز الموضوعات التي يشتغل عليها كل حقل والخدمات التي يقدمها للتاريخ بصفة عامة ومناهجه,

–         التاريخ الماكروسكوبي أو العام

يحاول التاريخ العام أن يقدم الصورة الكاملة للتاريخ بنظرة سياسية فوقية تتعاطى مع الحقيقة التاريخية بتعميمات مجحفة،ونميزه عن مفهوم آخر وهو التاريخ الشامل.

فالتاريخ العام يتمركز حول العامل السياسي و العلاقات الدولية ، إذ اعتاد السلاطين و أصحاب العروش أن يوظفوا مؤرخين و كتاب محترفين في قصورهم لتسجيل الأحداث الهامة، و تفاصيل الحياة السياسية بقدر ما يهم الحاكم، فكانت النتيجة الحتمية لهذا الأمر خضوع الحقيقة التاريخية لأهداف السلطة، إذ أن وما ورثناه من المادة التاريخية بالدرجة الأولى هو تاريخ البلاط، و هو تاريخ أحادي الجانب أغلبه خداع ومناورة، فحقيقة التاريخ أنه تصنعه الشعوب  ( التاريخ من تحت).

في حين نجد التاريخ الشامل الذي ينطلق من مفهوم الشمولية في البحث عن الحقيقة العلمي فنجد مثلا الانتروبولوجي “مارسل موس”يتحدث عن الفعل الاجتماعي الشمولي، ويشير إلى أن أي مجتمع يكون في الحقيقة وحدة عضوية، فلا يمكن تجزئته إلى قطع مستقلة تدرس كل واحدة منها على حدة، والتاريخ الشمولي هو تاريخ تام و جامع يضع كل المجتمعات في نسق واحد، ينظر إليها كما لو كانت وحدة عضوية، و يأخذ تعبير المكان و الزمان شكلا شموليا.

إن التاريخ لا يتكامل إلا بجمع أطرافه المختلفة بعضها مع بعض (التاريخ الاجتماعي،التاريخ الاقتصادي ،التاريخ الذهني، تاريخ الحياة اليومية). وذلك انطلاقا من التاريخ الميكروسكوبي أو الخاص

–         التاريخ الميكروسكوبي أو الخاص

تعددت التسميات التي عرف بها هذا النوع من الدراسات فظهرت تسميات من قبيل “التاريخ الجهوي ” أو الإقليمي” أو الجزئي” أو “الاجتزائي” أو” المجهري” أو “الدراسات المونغرافية” أو “المبحثة”

إلا أن المقصود من كل هاته التسميات حسب الحسين عماري[2] هي ” تلك البحوث والمنشورات التاريخية التي تركزعلى إقليم معين أو منطقة جغرافية محدودة جدا. في مرحلة تاريخية محددة

وهي حلقة كما سبق الذكر لبناء التاريخ الاجتماعي تهدف إلى تجاوز عوائق البحث التاريخي العام بالتخلص من التعميمات التي يسبح فيها والكشف عن عناصر الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي يتيحها استثمار الوثائق المحلية مما يعطي إمكانيات أكبر للكتابة التاريخية ويواكب تطور علم التاريخ الذي أصبح منفتحا أكثر فأكثر على العديد من العلوم المساعدة .

         المبحث الثاني: تطور علم التاريخ:

ذكرنا  من بين العوامل التي ساهمت في ظهور التاريخ الجهوي واستعانته بالعلوم المساعدة كالانتروبولوجيا وعلم الإحصاء والأر كيولوجيا ….الخ. التطور الذي لحق علم التاريخ نفسه لنضع السؤال القديم الجديد

ما هو علم التاريخ؟

و نميز بين معانيه اللغوية و بين معانيه الإصطلاحية [3]:

المعاني اللغوية للتاريخ:

هناك عدة معاني لكلمة تاريخ , فتاريخ الشيء يعني غايته التي ينتهي إليها , فيقال : فلان تاريخ قومه في الجود , أي غاية ما وصل إليه جودهم , و تاريخ الشيء يعني وقته الذي انتهى إليه

و كلمة تاريخ مصدر عن ( أرخ ) بلغة قيس أو ( ورخ ) بلغة تميم .و يقال أن كلمة تاريخ مشتقة من ( يارخ ) العبرية , بمعنى القمر . أو ( يرخ ) بمعنى الشهر .

و استناداً إلى هذا القول يكون معنى تاريخ تحديد الشهر أي التوقيت .

و يستبعد فرانتز روزنتال الأصل العبري لكلمة تاريخ , لعدم إمكان الإشتقاق بسبب وجود حرف الياء في الأصل العبري .

و هناك من يرجع كلمة تاريخ إلى اللفظ الأكدي ( أرخو ) . أو أنها تعريب للكلمة الفارسية ( ماه روز ) و معناها حساب الشهور و الأيام , أو التوقيت بحسب القمر , أو تعيين بدء الشهر القمري .

و هناك رأي يذهب إلى القول بأن كلمة تاريخ ذات أصل يمني ..

أما لفظ تاريخ باللغات الأوروبية , و هو Historia باللغة اللاتينية , أو History باللغة الإنجليزية , أو Storia باللغة الإيطالية … إلخ فأصلها جميعاً يوناني , بمعنى الرؤية و المعرفة , أو الوقوف على الشيء أو شاهد العيان , و ما يضفيه هذا الشاهد من معرفة إلى تجربته الخاصة ..

المعاني الإصطلاحية :

هو علم يبحث في الوقائع و الحوادث الماضية . فهو كما يقول ابن خلدون ” خبر عن الاجتماع الإنساني , الذي هو عمران العالم و ما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال , مثل التوحش و التأنس و العصبيات و أصناف التغلبات للبشر , بعضهم على بعض , و ما ينشأ عن ذلك من الملك و الدول و رماتبها و ما ينتحله البشر بأعمالهم و مساعيهم من الكسب و المعاش و العلوم و الصنائع و سائر ما يحدث في ذلك العمران من الأحوال ”

و هو عند فرانسو بيكونF. Bacon ( 1561 – 1626 ) ” العلم بالأمور الجزئية , لا بالأمور العامة ” و قد صنف بيكون العلوم وفقاً للقوى النفسية المدركة , فالذاكرة هي القوة اللازمة للتاريخ و المتخيلة هي القوة اللازمة للشعر و العقل هو القوة اللازمة للفلسفة .

و التاريخ هو ضد الشعر , لأن موضوع الشعر وهمي و موضوع التاريخ واقعي .

كما أن التاريخ ضد الفلسفة , لأن موضوع الفلسفة كلي و موضوع التاريخ جزئي .

و قد استقر معنى التاريخ اليوم على العلم بالوقائع و الحوادث الماضية و يتضمن هذا المعنى , عند التدقيق معنيين متمايزين , يخلط الذهن عادة بينهما و تستوي في هذا الخلط اللغة العربية و اللغات الأوروبية .

فالمعنى الأول هو الأحداث و الوقائع الماضية . و المعنى الثاني هو العلم بهذه الأحداث و الوقائع أي الإشتغال بالكشف عنها و ترتيبها و تدوينها . و هو ما يقوم به المؤرخ و ما يضطلع بع علم التاريخ .

لقد تغيرت النظرة اليوم إلى علم التاريخ المعاصر من خلال السيرورة التي عرفها والتطورات التي لحقت مناهجه. فلم يعد ذلك العلم الذي ينشغل بذكر أحوال الإنسان قديما ويوثق الوقائع والأحداث التي عاشها ،و لم يعد ميدانه يقتصر على ذكر الأحداث السياسية والعسكرية ، بل شمل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والفنية ، إذ أصبح اهتمام المؤرخ موجها إلى دراسة أحوال البشر عامة ، وتطور الجماعة الإنسانية في مجموعها .

كما اتسع مجال التاريخ فأصبح يتناول التجربة الإنسانية على الأرض دراسة شاملة ، ولم يعد مداه الزمني يقتصر على الماضي ، بل شمل الحاضر والمستقبل أيضا.وهذا كله جعل دراسة التاريخ اليوم ، دراسة معقدة متشعبة ومتعددة المناحي والاهتمامات ، بل وتتطلب الاستعانة بعلوم أخرى مساعدة  لرصد مسيرة الجماعة البشرية.[4]

المحور الثاني: في الحاجة الى العلوم المساعدة:

                   المبحث الأول: من الصراع النظري إلى مفهوم التناهج:

أفرز ظهور التخصصات في حقل الدراسات الإنسانية مسألة الحدود بين العلوم الاجتماعية. واكتسى الأمر طابع صراع نظري ابستمولوجي، وتنافس علمي بين رواد التخصصات التي تهتم بالإنسان والمجال وتفاعلهما. وفي هذا يقول فرناند برودل: “هاهي- علوم الإنسان- تتنافس وتنخرط في نزاعات حول الحدود التي تفصلها، أو تجمعها أو تفصلها بغير وضوح عن العلوم المجاورة.[5]هذه في العمق “إشكالية منهجية- ابستمولوجية قديمة- حديثة”[6]. أمر معروف وتعرفه جميع العلوم. لكن المقصود هنا هي “تلك الإشكالية التي عرفها ميدان البحث التاريخي في النصف الأول من القرن 20، والتي تتعلق بمحاولة تحطيم الحدود بين ميدان التاريخ وميدان العلوم الاجتماعية الأخرى”[7].

–                     فمن حيث أنها إشكالية منهجية- ابستمولوجية، فالأمر يتعلق بطرح  السؤال التالي: هل تتوحد العلوم على أساس المنهج أم على الموضوع؟

بعبارة أخرى، هل يتم اختيار مقاربة منهجية واحدة لمعالجة جميع مواضيع العلوم الاجتماعية؟ إذ تعدد المواضيع المرتبطة بالإنسان وكثرتها يجعل من الصعب إيجاد مقاربة منهجية لكل موضوع على حدة. أم يتم استثمار مقاربات متعددة ومختلفة، لمعالجة نفس الموضوع، طالما أنه في الجوهر يبقى واحدا، هو “الإنسان”؟.

أما من حيث أنها إشكالية قديمة-جديد:

فأولا، “لأن طرحها واقتراح نماذج للتداخل بين العلوم الاجتماعية يعود إلى النصف الأول من القرن 20[8]. بل المسألة أقدم من ذلك، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع العلوم، وترجع إلى نشأة العلوم الاجتماعية وتطورها. فهي “لم تتكون في وقت واحد ولا على مسالك متوازية. نرصد في تطور كل علم فترات تقدم واستقلال تراجع واندماج في العلوم الأخرى[9].

وثانيا “لأن التداخل بين العلوم الاجتماعية عملية متجددة ترتبط بالتحولات الابستمولوجية والمنهجية التي تعرفها هذه العلوم، سواء على مستوى التطور الخاص بكل علم على حدة، أو على مستوى التفاعل بين هذه العلوم تحت تأثير هذه النظرية أو تلك، أو هذا التخصص أو ذاك، أو إشعاع هذا الباحث أو ذاك[10].

على أية حال، ففي ما يخص موضوعنا، نشعر بوجود نوع من الجدال؛ بين المختصين بشكل عام وبين المؤرخين والسوسيولوجيين بشكل خاص؛ حول طبيعة العلاقة بين التاريخ وباقي العلوم وبالتحديد علم السوسيولوجيا. لكن في الحقيقة، كانت المسألة بين “أجنحة” داخل كل “معسكر”؛ أجنحة متشددة ومتعصبة لتخصصها، و أخرى أقل من ذلك، وأكثر انفتاحا وقابلية للحوار البناء.

هذا بالضبط ما عبر عنه برودل:”يوجد دوما، في الحقيقة، نوع من التاريخ يمكن أن يتوافق مع نوع من السوسيولوجيا”، ويعطي مثلا حيا عن ذلك . فيقول: “يرفض جورفيتش في مقاله عن الجدال التاريخي- السوسيولوجي[11] التفاهم مع هنري مارو، لكنه يتفاهم معي بسهولة”[12].

هناك مقال لبروديل يلخص تلك القضايا. يبدأ باستقراء تاريخي، ويحاول تحديد عمق مشاكل العلوم الإنسانية؛ خاصة على صعيد النتائج؛ ويعترف مسبقا بالإختلاف البنيوي الأصيل بين هذه العلوم منذ القديم. حيث تقدم على شكل “فرق” لها خطاباتها ومناهجها المختلفة. “كل علم إنساني له نظرته الخاصة لنفس الموضوع، تميزه عن باقي العلوم الأخرى[13]. ليخلص إلى نتيجة مهمة “محدودية كل علم في إعطاء نظرة متكاملة عن الإنسان، رغم أن كل متخصص يعتقد أنه يقدم هكذا نظرة، بينما الواقع أنه يتوقف في تحديد ماله علاقة بميدان تخصصه، في حين يعمل على افتراض الباقي، لتكون النتيجة عبارة عن صورة متكاملة خادعة[14]. حسب برودل: “ينزع كل علم إنساني إلى تقديم نتائجه كوجهة نظر متكاملة عن الإنسان. هذا “العجز” ذو الأصل البنيوي الكامن داخل كل علم إنساني، يمكن تجاوزه عن طريق” إعادة تنظيم رؤى كل متخصص حتى نصل إلى الصورة الحقيقية[15]. وأيضا لأن منطق التطور يدعو إلى التكامل والتآزر، فــــ” نضج العلوم و تطورها يحتم عليها الوصل بمعنى الإتحاد، ونتائج كل علم يجب أن تضاف إلى بعضها البعض من أجل تقديم صورة واضحة عن أعمال الإنسانية، المادية والمعنوية[16].

لكن في ظل التعصب والتطرف التخصصي يبقى الأمر صعب المنال، من هنا دعوته إلى كل متخصص”بتخفيض رسومه الجمركية حتى تمر الأفكار و التقنيات بين ميادين العلوم الإنسانية[17]. و زيادة للتفصيل و التوضيح يقول:”السوق المشتركة لعلوم الإنسان لن تتحقق إلا بإبرام اتفاقيات ثنائية بين علمين متقاربين كمرحلة تمهيدية[18].

في هذا الجو من النقاش الفكري-الابستمولوجي ستحصل توافقات “بيتخصصية”، تعتبر من الناحية الكرونولوجية مرحلة مخاض ممهدة لبروز معالم مشاريع طموحة في الدراسات التاريخية.

وهكذا شكلت قضية الوحدة أو التداخل بين التاريخ والعلوم الاجتماعية خاصة، الأساس النظري لاتجاهات جديد في البحث التاريخي. سيحاول روادها تجاوز الاتجاه الوضعاني، والخروج بالتاريخ إلى آفاق أرحب منهجا وموضوعا.

وهكذا شكلت الدعوة إلى تجاوز الكتابة التاريخية التقليدية، المتهمة بالنمطية والانغلاق في مفهوم ضيق ل”الوثيقة”، في نطاق النقاش حول إشكالية الحدود بين العلوم الإنسانية و قضية “المنهج”، مرحلة مهمة نحو التأسيس لمفهوم “التاريخ الجديد” بحلته المعاصرة. فبدأ الانتقال من التاريخ العام إلى التاريخ الجزئي في هذا السياق. الأمر الذي يقتضي دراسة مجال جغرافي معين بتوظيف مقاربات مختلفة والاستعانة بعلوم متعددة قصد ملامسة عدة مستويات متفاعلة. وهنا يبرز تأثير هنري بير على مؤرخي مدرسة الحوليات اللاحقين، هو الذي دعا إلى الجمع بين الهم الفلسفي وميل ومنهاج الأبحاث التنقيبية، فبالنسبة إليه “ليس هناك تركيب مقبول إلا عبر التحليل الرزين” جاء ذلك في رسالة موجهة إلى محافظ كوليح فرنسا بتاريخ 30 أكتوبر 1903هكذا ” قام فيفر منذ 1905، بتنشيط فرع خاص بالتاريخ الجهوي داخل مجلة التركيب”[19].

هذا التغير لم يكن ليمر دون أن يطرح إشكالات جديدة خاصة تلك التي تبحث في مكانة التاريخ بين العلوم الإنسانية في ظل انتفاء الحدود بينها، وتتساءل حول أدوار المؤرخ و مدى تميزه عن الباحثين الآخرين.

 المبحث الثاني: التاريخ الجهوي والعلوم المساعدة – العلاقة والهوية.

  حملت مجلة الحوليات العديد من مظاهر التجديد منذ بدايتها، دون أن يعني ذلك تجاوز قضية وحدة العلوم الاجتماعية، فإذا كانت هذه الوحدة عند الدوركاهيميين خاصة سيميان ” تقوم على وحدة المنهج “[20] أي أن يعمل التاريخ على إعادة صياغة مناهج عمله بصورة تسمح له باستعمال الطرق المتبعة في ميدان العلوم الاجتماعية . فإن رواد الحوليات أقاموا وحدة العلوم الاجتماعية على وحدة الموضوع – الإنسان الذي يتطلب مناهج مختلفة للإحاطة بكل جوانبه.” وهذا يفترض وجود مقاربات مختلفة… مما يعطي لمسألة التداخل بين العلوم أهمية خاصة “[21] من هنا دعوة لوسيان فيفر الشهيرة: “سيساهم في كتابة التاريخ : اللغوي الأديب و الجغرافي و القانوني و الطبيب و عالم الأرض و عالم الأجناس والخبير بمنطق العلوم ، الخ. كل واحد سيشارك بعقليته الخاصة وبمنهجه المتميز، ولا يطلب أن يتخلى عن ما يميزه، لأن مشاركته في هذه الحال تكون عقيمة “[22].

        قام كل من فيفر و بلوخ رائدا مدرسة الحوليات،انسجاما مع هذه الرؤية، بدعوة متخصصين من مختلف العلوم، قصد الانتماء إلى فريق عمل المجلة التي أسسوها سنة 1929، فكان هناك جغارفة واقتصاديون وسياسيون وكذلك علماء نفسانيون… لقد شكل النقاش حول إشكالية الحدود المعرفية السياق التاريخي لظهور مفهوم التناظم / التناهج. الذي سيكون أحد ركائز التاريخ الجهوي.

ومن هنا يطرح السؤال التالي:ما مكانة التاريخ بين العلوم الإنسانية الأخرى؟ والذي يمكن أن يتفرع إلى الأسئلة التالية: ماذا نتج عن إشكالية الحدود بين العلوم وتداعياتها؟ ماذا كسب التاريخ وماذا خسر؟ هل المؤرخ قادر على أن يتطاول إلى حقول معرفية أخرى، ويسمح لغيره أن يؤرخ مكانه؟… وغيرها من الأسئلة التي تتمحور حول هوية التاريخ وصناعة المؤرخ.

لكن هل فعلا كان التاريخ منعزلا عن العلوم الأخرى بالرغم من أن أغلبها لم يحصل على شهادة ميلاد إلا حديثا؟  دون أن يعني ذلك أنه لم يكن موجودا أصلا، فمن السهل البحث عن جذور وإرهاصات قديمة لمباحث جديدة دون أدنى عناء. وبصيغة أخرى ما علاقة التاريخ بالعلوم الإنسانية الأخرى وكيف تطورت؟

التاريخ الجهوي والجغرافيا:

       أما أن تكون “مجلة الحوليات”، الناطق الرسمي باسم الإتجاه الجديد، قد أعطت نفسا جديدا للدراسات التاريخية فهذا أمر غير مشكوك في صحته، لكن القول بأن إيلاءها للبعد الجغرافي في دراسة التاريخ هو إضافة نوعية؛ فيه إجحاف لتاريخ التاريخ.

فمنذ متى كان التاريخ مفصولا عن الجغرافيا؟

التاريخ ينبني على دراسة الزمان، والجغرافيا تقوم على دراسة المكان، ولا يمكن الفصل بين الإثنين بأي حال من الأحوال. و منذ العصور القديمة، ومنذ أن “وعى” الإنسان أهمية التاريخ، كان الوسط/ المكان حاضرا بقوة وبشكل مسلم به. لقد فتح هيرودوت أقواسا تحدث فيها عن شعوب مختلفة وعن مواطنها وأساليب عيشها. “توقديد مثلا، قبل أن يدخل في صلب موضوعه الذي هو حرب البيلوبونيز، يحلل علاقة أثينا بالبحر والتجارة واعتماد اسبرطة على الأرض والفلاحة، ثم لا يفتأ يذكرنا فيما بعد أن المواجهة لم تكن فقط بين مدينتين أو حلفين أو نظامين سياسيين، بل كانت أيضا بين نوعين متميزين من الإنتاج ونمط العيش والتربة، وبالتالي نظرتين إلى الحرب و السلم”[23]. مما يعني حضور الاقتصاد أيضا في الكتابة التاريخية منذ بداياتها.

دون أن ننسى مساهمة المسلمين في إعطاء أهمية قصوى للوسط وتأثيره على خصائص البشر االجسمانية والسلوكية/ الذهنية، خاصة مع ابن خلدون صاحب مقولة “اعلم إن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلهم من المعاش”.  و”منذ بداية تدوين التاريخ و الإحساس قوي بأنه لا يمكن فصل الوقائع عن مواطنها”[24]

لقد جاء اعتبار البعد الجغرافي على طريقة رواد الحوليات في سياق تاريخي مرتبط بالصراع مع الاتجاه المنهجي. لابد من استحضار هذا المعطى عند الحديث عن مظاهر التجديد، إذ يعني التجديد، دائما، نسبة للمدرسة المنهجية، وليس نسبة للفكر العالمي.

في هذا الباب يولي الاتجاه الجديد مكانة خاصة لأعمال الجغرافي فيدال دي لابلاش، لكن المهم في هذا الاهتمام كونه،أيضا، جاء كرد فعل على آثار “نظرية الحتمية الجغرافية” التي تمنح العامل الجغرافي سلطة عليا في التاريخ.يقول ع الله العروي عن ف. دي لابلاش:”ميزته الكبرى أنه لم يكن صحافيا أو عالم طبيعة، بل كان مؤرخا في تكوينه الأصلي. فرأى الجغرافيا من منظور التاريخ، وهذا ما دفعه إلى إدخال شيء من التكافؤ والجدلية في ميدان غلب فيه، الاتجاه تحت تأثير الألمان، المنحى العلمي الطبيعي وما يواكبه عادة من البحث على السبب الواحد ومن إيمان بحتمية المؤثرات”[25] .  كان تصور دي بلاش أقل حدة ومثل اتجاها معتدلا، واقترح “مقاربة شمولية لتحليل الواقع الاجتماعي تقوم على أساس علاقة جدلية مزدوجة بين الزمن والمجال وبين الجماعات البشرية والوسط الطبيعي “[26].

من هنا نفهم لماذا عادة يبدأ المهتم بالتاريخ الجهوي حديثه عن المجال الجغرافي بتحديده وتعريفه ووصفه كتمهيد لتوظيفه في التفسير ثم التركيب.

التاريخ الجهوي وعلم الاقتصاد:

“أثر علم الاقتصاد على منطق الفلاسفة والمفكرين بصفة عامة، وتسبب في ظهور النظرية الاقتصادية للتاريخ التي تؤكد على أن التاريخ هو سيرورة الإنسان المنتج، بل مفهوم التطور لا يتبلور بالفعل إلا في ميدان الإنتاج المادي ومنه يسحب على الفكر والثقافة”[27]. إذن نحن أمام علم أقرب إلى الدقة لتوظيفه المنهج التكميمي- الإحصائي- في أبحاثه. والذي يمكن القول أنه فرض نفسه “كبراديكم” في دراسة أنماط الإنتاج وتأثيرها على البنيات الاجتماعية والثقافية… فأصبح التاريخ بشكل عام يوظف نظريات اقتصادية، خاصة بعدما أصبح مطالبا بالتفسير والتعميم والمقارنة.

بالفعل لا يمكن القفز في البحوث االمونوغرافية على ما يتيحه علم الإقتصاد من مناهج وأدوات.

إن محاولة سيميان تصب في هذا الاتجاه، لما خلص معه خلال بحثه “الأجرة، التطور الاجتماعي والعملة” إلى وجود “دورة أطول، نصف-قرنية تتجزأ إلى حقبة توسع وانفتاح، ترتفع فيها الأرباح والأسعار ومقادير الإنتاج، وحقبة انكماش وانحصار، تنخفض معها كل المؤشرات السابقة. بين سيميان أن توالي الحقبتين لم ينقطع منذ القرن الرابع عشر في أوربا الغربية، هذا الإيقاع البطيء،… غير من منظور المؤرخين المحترفين إلى كثير من الأحداث”[28].

تركزت أعمال سيميان في علم الاجتماع الاقتصادي، حيث استخدم المنهج الإحصائي، “عاد إلى كتب التاريخ، استخرج منها معلومات رقمية، كون منها جداول منسقة ثم أجرى عليها المعادلات الإحصائية، فكشف عن علاقات خفية”[29].

وبالتالي أصبحت المونوغرافيات تهتم بالبنيات الاقتصادية  وأدوات الإنتاج وطبيعته هل تصنيفه من حيث هو إنتاج/اقتصاد ندرة أم وفرة وفائض. وهل هو مبني على الترحال والثروة المنقولة أم على الاستقرار وملكية الأرض، وهل هذه الأخيرة جماعية أم فردية؟…

التاريخ الجهوي والأنثروبولوجيا 

أطلقت الأنثروبولوجيا ولمدة طويلة على ميدان معرفي اهتم بدراسة المنظومات السوسيو-ثقافية الإنسانية ومقارنتها قصد الاهتداء إلى النواميس التي تسيرها، ووضع نظريات لتفسير وجودها واستشراف تحولاتها. لم تعمم تلك التسمية إلا بعد الحرب ع الثانية. كانت الأنثروبولوجيا تختص منذ أواخر القرن 19 إلى غاية الستينات من القرن الماضي في دراسة ما سمي بالمجتمعات البدائية، وبالإجمال المجتمعات غير الأوربية-الأمريكية ومنها المغاربية والشرق الأوسطية…  ويقول المختصون أن الأنثروبولوجيا تعنى بالجماعات communautés بينما تهتم السوسيولوجيا بالمجتمعات société، من هنا أهميتها في الدراسات الجهوية المجهرية. لكن لابد من الإشارة إلى السجال الذي عرفته الساحة الأكاديمية المغربية بعد الاستقلال حول علاقة التاريخ والأنثروبولوجيا؟ خاصة وأن هذه الأخيرة قدمت تفسيرات متعددة للمجتمع المغربي واعتبرت المقاربة الأصلح لدراسته، مما يعني إبعاده عن التاريخ رمز الحركية والتطور والتفاعل… لكن نعتقد أن الأمر شبيه بما وقع حين تعرفت البلدان المستعمرة على مفاهيم جديدة في ظل الاستعمار فتمت عملية ربط غير موضوعية بالظاهرة مما جعلها محل نقد ورفض.

يعتبر التاريخ الجهوي أحد تمظهرات التاريخ الجديد المرتبط بمشروع الحوليات. وهو يهتم -بالإضافة إلى المجال والبنيات الاقتصادية…- بدراسة كل أصناف الممارسات الثقافية بالمعنى الواسع لكلمة ثقافة. بل ويتعدى الوصف إلى الغوص في عمق هذه الممارسات واستنباط دلالاتها السيكولوجية. وذلك من خلال استثمار وثائق مختلفة ومتنوعة، غالبا ما تكون غير مباشرة. فالخوف والحزن والفرح… بالإضافة إلى الطقوس والعادات التي كان الإنسان يمارسها سواء في حياته الاجتماعية أو الدينية أو الفكرية تمثل ميادين خصبة لهذا الاتجاه. وانسجاما مع الطرح العام للتاريخ الجديد، يستهدف التاريخ الجهوي الفئات التي ظلت مٌغيبة في الكتابات التقليدية أو كانت في أحسن الأحوال على الهامش، فيعكف على دراسة حياة الإنسان العادي سواء في بعديه الفردي أو الجماعي، ومدى تفاعله مع بيئته المادية، وكل هذا في إطار الزمن الطويل. من هنا يتضح أن المقاربة الأنثروبولوجية ستكون حاضرة فيه خاصة في حال غياب الوثائق المكتوبة والاتجاه إلى العمل الميداني المميز لعمل الأنثروبولوجي.

هذه الرؤية تشير بشكل واضح إلى ما قاله أندري بورغيير في حق مشروع الحوليات:”إننا نلمس، بالتأكيد، في قيام مدرسة الحوليات بعثا لتاريخ انثروبولوجي”[30]. لقد سبقت الإشارة إلى دعوة العلوم الإنسانية للتكتل والتعاون في إطار توافقات “بيتخصصية” كمرحلة أولى قبل اندماجها في علم واحد يلعب فيه التاريخ دورا محوريا، استجابة لذلك خرج التاريخ الجهوي ومبحث الذهنيات إلى الوجود الفعلي بعد تقارب الأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي. “على نحو مباشر حرض مؤسسو الحوليات المؤرخين على الخروج من الدواوين الوزارية والمجالس البرلمانية من أجل ملاحظة “مباشرة” للفرق الاجتماعية، للبنيات الاقتصادية، باختصار لدراسة كل مجتمع في عمقه الأكبر”[31].

يفضل أندري بورغيير تسمية “الأنثروبولوجيا التاريخية” التي يعرفها “كتاريخ للعادات، عادات فيزيائية، سلوكية، غذائية، عاطفية، عادات ذهنية”[32]. ويوضح أهميتها، خاصة في كتابة تاريخ الشعوب التي لم تعرف الكتابة. إذ يقول: “إذا كانت الشعوب التي لا تتوفر على كتابة وعلى “مآثر”، لها تاريخ، وإذا كان بإمكان هذا التاريخ أن يمنح لحضارتهم دلالة ما، فإنه يجب العثور عليه في أساليب اللباس والتغذية، في تنظيم حياتهم العائلية، في العلاقات بين الجنسين، في معتقداتهم وطقوسهم. إذ الطبائع هنا تحمل في طياتها التاريخ”[33]. تشير هذه الفقرة إلى الأسلوب الملتوي الذي يبحث به تاريخ الذهنيات عن تصور للحضارات السابقة عبر وسائل غير مباشرة. إن الابتعاد عن التاريخ العام والاقتراب أكثر من تاريخ الحياة اليومية لا يعكس أزمة يعاني منها التاريخ. كما يرى البعض المنتقدين لهذا التوجه[34]. إذ تكفي الإشارة إلى أن “التاريخ نشاط ثقافي، والثقافة بعد انثروبولوجي”[35]. من هنا تداخل وبالتالي تكامل التاريخ والأنثروبولوجيا. وتكامل التاريخ والسوسيولوجيا بحكم الطبيعة البشرية القائمة على الاجتماع.

التاريخ الجهوي وعلوم أخرى

من دون شك أن لائحة العلوم التي يمكن للمؤرخ الاستفادة منها كثيرة ولا تحصى، فكل يوم يشهد ظهور علم قائم بذاته بعدما كان بالأمس تحت لواء علم آخر. فبالإضافة إلى العلوم السابقة هناك الطوبونيميا المختص بأسماء الأماكن وتتبع تطور تلك الأسماء عبر الزمن. واللغويات ودورها في فك الثقافة المتوارثة خاصة في المجتمعات الشفهية. دون نسيان علم الآثار ودوره في الكشف عن الشواهد التاريخية.  والنميات الذي يدرس المسكوكات والعملات النقدية التي كانت متداولة…

      المحور الثالث: التاريخ الجهوي (نماذج تطبيقية)

كتاب إنولتان ” المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر ” لأحمد التوفيق 

و كتاب البوادي المغربية قبل الاستعمارقبائل إيناون لعبد الرحمان المودن

المبحث الأول: تجليات انفتاح الباحث على بعض العلوم المساعدة.

سنحاول ابراز الآثار التطبيقية التي قدمتها الدراسات المونغرافية لحقل التاريخ من جهة والخدمات التي منحتها العلوم المساعدة للمؤرخ في مقاربته لبيئة الدراسة وموضوعها، وذلك من خلال الجدول التالي:

عنوان الدراسة المؤلف العلوم المساعدة الموظفة في الدراسة الآفاق التي فتحتها المصادر
المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر ” إنولتان” أحمد التوفيق الحوالات الحبسية والنوازل الفقهية

الشعر والحكايات الشعبية والأساطير

علم الإحصاء

الطوبونيميا

الجغرافيا

صورة عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لقبائل إنواتان

تحليل الخطاب ” أعمال سعيد بوليفا ” لكشف المواضيع ذات الاهتمام المجتمعي

اعتماد الأسلوب الكمي وإحصاء ساكنة إنولتان

كشف أسماء الأماكن والأشخاص لفهم معانييها

تقديم خرائط لفهم أماكن تموضع الأحداث قيد الدراسة

إلى جانب الوثائق المحلية:- الوطنية والأجنبية- (من سجلات رسمية وحوالات الاحباس ووثائق مخز نية: ” رسائل وظهائر وتقارير” وكذلك نوازل فقهية وتقاييد العائلات)-  اعتمد على مجموعة من المصادر والمراجع سواء منها الأجنبية أو العربية.
البوادي المغربية قبل الاستعمار

قبائل إيناون والمخزن بين القرن السادس عشر والتاسع عشر

عبد الرحمان المودن الجغرافيا الطبيعية

الطقس والمناخ

علم الاجتماع وعلم الاقتصاد

الإطار الطبيعي لإيناون وأهميته التاريخية، فهي منطقة حوضية تشرف على وادي إيناون الذي تتمحور حوله تلال الحياينة والتسول شمالا، وهضاب وجبال بني وراين وغياثة جنوب

_الظروف الطبيعية من تضاريس ومناخ مثلت مرتكزات دفاعية هامة بالنسبة للسكان المتعاقبين في هذه المناطق، سواء ضد الغزو الأجنبي أو حتى السلطة السياسية القائمة بفاس

_ كشف محددات العلاقة بين التجمعات البشرية في البوادي المغربية قبل الاستعمار، وبين المؤسسات المخزنية من خلال نموذج حوض إيناون.

المصادر الأجنبية: كتب الرحلات الاستكشافية، الوثائق والمراسلات العسكرية والدبلوماسية (أهمها الفرنسية والإنجليزية)، الوثائق الإسبانية والبلجيكية… وتحوي على تقارير، خرائط، إحصائيات، مراسلات مغربية مترجمة أو أصلية.

– المصادر المغربية:

· الرواية الشفوية: · الأصول المكتوبة: منها الكتب، الرحلات الحجية أو الحجازية، النوازل والأجوبة.

[1] اشتغلنا في الإعداد لهذه الورقة مع الزميل رئيف في إطار بحث جامعي تمهيدي تخصصي في التاريخ والتراث

[2] البحث في تاريخ الجهة تساؤلات وملاحظات منهجية ورقة ل د الحسين عماري

[3] موقع http://www.lakii.com/vb/blogs/587902/blog-1178/

[4] الحضارة : دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها الفصل الثاني : التاريخ والحضارة عالم المعرفة عدد 1 ص57

[5]-Braudel.F, Ecrits sur l’histoire,T.1, Paris, Flammarion, 1969,P. 41 .

[6]– محمد العيادي, المدارس التاريخية الحديثة و مسألة الحدود بين العلوم الإجتماعية, مجلة أمل، ع 15, 1998, ص 26

[7] – نفسه

[8] – نفسه

[9] – عبد الله العروي, مفهوم التاريخ، ط 3،ج 1، الأولى،المركز الثقافي العربي،بيروت 1997، ص 52-53

[10] -محمد العيادي م سا، ص 27

[11] – مقال «الاستمرارية  والقطيعة في التاريخ«

[12]- Braudel,F.ibid,PP.73-84

[13]–  Braudel,F, ibidem,  p. 85-96

[14]– Braudel,F, ibid.

[15]– Braudel,F, Ibid.

[16]– Id.

[17]– Id.

Id.-[18]

محمد العيادي، م س.

– محمد العبادي : م س[20]

– نفسه[21]

– مقتطف من عبد الله العروي: مفهوم التاريخ ص 187 ج1[22]

11- عبد اله العروي نفسه ص 256 ج 2

12- عبد الله العروي نفسه ص 254 ج 2

13- عبد الله العروي نفسه

14- محمد حبيدة م س

[27] – عبد الله العروي، م س، ص 138.

[28] – عبد الله العروي، م س، ص 140.

[29] – عبد الله العروي، م س، ص 139.

[30]– بورغيير، اندري، الأنثروبولوجيا التاريخية، ترجمة محمد حبيدة، مجلة امل، ع،1994،ص 97.

[31] نفسه، م س، ص101.

[32] نفسه، ص 105.

[33] نفسه، ص 99.

[34] . يرى، مثلا، عبد الله العروي أن برودل سطا على خطة الأنثروبولوجين وسماها تاريخا. أنظر “مفهوم التاريخ”، ج I، م.س، ص 193.

[35]– Veyne, P, comment on écrit l’histoire, seuil, 1971, p.27.

ليس بإمكاننا توقيف العالم، حركية الأرض ودوران الشمس، ليس بمقدورنا التصرف خارج هذه النواميس الدقيقة والغاية في الإتقان والوجود، لأن دورنا بكل بساطة ينحصر في الشهادة على هذه الأشياء والظواهر الكونية، حقا……”؟

من غرائب ما يقع أنه كلما هممت بالكتابة أو التعبير إلا أخذتني الكلمات والعبارات تشق طريقها نحو المجهول، دون أن أدري علاقة ذلك برغبتي التي بدأت في تنفيذها.

أشق طريقي بالكلمات وهي تأخذني إلى عوالم متناثرة ومتباعدة بين الماضي والحاضر وترقب المستقبل، الحكمة عطاء إلهي لا تدرك بالمحاججة أو بالتلقي أو بالركون إلى رفوف المكتبات بالقراءة والمطالعة فقط. الحكمة هبة ينالها من كان فيه الاستعداد لتلقيها.

نظرتنا إلى الأمور اعترتها تغييرات بسبب نضج نسبي أو ابتعاد زمني، لا بأس به، بين أحداث اليوم وهموم الأمس. النضج العقلي والعاطفي تراكم وليس حديثا عابرا، هو سيرورة ضمن حقائق النمو التي يشهدها البشر عموما، وبالتالي يختلف التعاطي مع المشكلات حتما وتختلف طبيعة وحدة هاته الإشكالات، لكن إلى حدود هذه اللحظة فنفس الوضع هو هو …. لا جديد ….لا خلاف….وقد يكون إدراك هذا الوضع من حيث الحجم والوضعية أكثر من أي وقت مضى مما يزيد في التعاطي معها وباستمرارية لا مثيل لها .

                                                                                                            بقلم ياسين الضوو :

مدينة دمنات العامرة بتاريخ 9‑07-2000

                                                                                                             على الساعة 2 :19

لم تسعدني اللحظة

ولم تسعفني العبارة

                         ظللتني تلك الصور

                                          من بقايا بقايا رماد

                         أسرتني تلك الأغاني

                                               من أعالي شرفات المساءات

لم تعد تستهويني رائحة العطر

ولا نشوة الصباح

                         لم أعد أذكر غير تهويمات

                                               وأحلام مراقص

لن أغادر

فعبق السحر

يشد طبلة أذناي

                     بطين أيمن

                     وحبل سري

يملئ الذكرى

                       من خفايا خبايا ميلاد

                                                                              ياسين الضوو: دمنات بتاريخ 9-07-2002